تحولات القيم والعادات الاجتماعية وتأثيرها على تماسك الأسرة واستقرارها ونظرة مجلس الشورى حول القضية
تقرير صحفي من إعداد - ناصر مضحي الحربي - صحيفة وقع الحدث
في هذا التقرير- سنستعرض بشكل مفصل كيف تؤثر هذه التحولات في القيم والعادات الاجتماعية على الأسرة، وما هي التداعيات المحتملة على تماسكها واستقرارها ، بالإضافة إلى ذلك، سنناقش تأثير غياب دور الأب على هذه الديناميكية، ونقدم بعض الحلول الممكنة لتعزيز التماسك الأسري في ظل هذه التغيرات .
تعريف القيم والعادات الاجتماعية
القيم والعادات الاجتماعية هي المبادئ والقواعد التي تحكم سلوك الأفراد في المجتمع ، تتشكل هذه القيم والعادات عبر الزمن وتختلف من مجتمع إلى آخر بناءً على الخلفية الثقافية، التاريخية، والدينية لكل مجتمع ، القيم هي مفاهيم مجردة تعمل كموجهات للأفعال والسلوك، وتشمل مفاهيم مثل العدالة، الاحترام، والتعاون ، أما العادات الاجتماعية فهي السلوكيات والأفعال الملموسة التي يلتزم بها الأفراد في حياتهم اليومية، وتكون غالباً متوارثة عبر الأجيال وتشكل القيم والعادات الاجتماعية جزءاً لا يتجزأ من هوية الفرد والمجتمع ، فهي تؤثر على كيفية تعامل الأفراد مع بعضهم البعض وتحدد معايير السلوك المقبول وغير المقبول ، مثلاً، في بعض المجتمعات يُعتبر احترام الكبار قيمة أساسية، في حين تجد أن في مجتمعات أخرى قد تكون الاستقلالية وقول الحقائق دون مجاملة هي القيم الأكثر أهمية ، هذه القيم تختلف ليس فقط بين المجتمعات بل أيضاً داخل المجتمع الواحد بين الأجيال المختلفة وتتأثر القيم والعادات الاجتماعية بعدة عوامل منها التربية الأسرية، النظام التعليمي، وسائل الإعلام، والتفاعلات الاجتماعية اليومية ، التربية الأسرية تلعب دوراً محورياً في غرس القيم منذ الصغر، حيث يتعلم الأطفال من خلال الملاحظة والتقليد ، النظام التعليمي يساهم أيضاً في تشكيل القيم من خلال المناهج الدراسية والتفاعل مع المعلمين والزملاء ، وسائل الإعلام، بما في ذلك التلفاز والإنترنت، لها تأثير متزايد في نقل وتشكيل القيم والعادات الاجتماعية ،فالقيم والعادات الاجتماعية هي الأساس الذي يقوم عليه أي مجتمع، وهي التي تحدد سلوك الأفراد وتؤثر على تماسك المجتمع واستقراره ، فهم هذه القيم والعادات والتأمل في كيفية تشكلها وتأثيرها يمكن أن يساعد في تعزيز التفاهم والتعاون بين الأفراد والجماعات المختلفة حيث شهدت المجتمعات العربية تحولات كبيرة في القيم والعادات الاجتماعية نتيجة للعولمة والتطور التكنولوجي ، هذه التحولات لم تكن مجرد تغيرات سطحية، بل أثرت بعمق على الأنماط السلوكية للأفراد والأسرة ككل ، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد تأثير وسائل الإعلام العالمية، بدأت القيم والعادات التقليدية تتراجع أمام أنماط جديدة من السلوكيات وأحد أبرز التغيرات هو التحول في مفهوم الأسرة ودورها في المجتمع ، كانت الأسرة التقليدية في المجتمعات العربية تعتمد على القيم الجماعية والتضامن الاجتماعي، حيث كانت العائلة الكبيرة تشكل وحدة اجتماعية واقتصادية هامة ، ولكن في ظل التغيرات الحديثة، باتت الأسر النووية أكثر شيوعاً، مع تراجع دور العائلة الكبيرة ، هذا التحول أثر على التماسك الأسري وقلل من دور الدعم العائلي المتبادل والتطور التكنولوجي لعب دوراً كبيراً في هذه التحولات، مع انتشار الإنترنت والهواتف الذكية، تغيرت طرق التواصل بين الأفراد ، أصبح التواصل الافتراضي بديلاً عن اللقاءات الشخصية، مما أثر على العلاقات الاجتماعية وساهم في تقليل التفاعل المباشر بين أفراد الأسرة ،كما أن التغيرات في الأنماط الاقتصادية وسوق العمل أدت إلى زيادة انشغال الأفراد بأعمالهم ووظائفهم،مما قلل من وقتهم المخصص للعائلة كذلك العولمة بدورها جلبت معها تأثيرات ثقافية متنوعة وأصبحت القيم والعادات الغربية أكثر تأثيراً، مما أدى إلى تصادم بعض القيم التقليدية مع القيم الحديثة ، هذا التصادم خلق حالة من الارتباك والتناقض لدى الأفراد، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات التكيف مع القيم الجديدة دون فقدان هويتهم الثقافية الأصلية، يمكن القول أن التغيرات في القيم والعادات الاجتماعية أثرت بشكل كبير على الأنماط السلوكية للأفراد والأسرة ، هذه التغيرات تحمل في طياتها تحديات وفرصاً في الوقت ذاته، وتستلزم وعياً مجتمعياً لتحقيق التوازن بين التقاليد والحداثة .
أثر التحولات على تماسك الأسرة
تحولات القيم والعادات الاجتماعية تعد من العوامل المؤثرة بشكل كبير على تماسك الأسرة واستقرارها ، فقد أظهرت الدراسات والأبحاث المتعددة أن التغيرات في القيم والعادات الاجتماعية يمكن أن تؤدي إلى تفكك الأسرة وعدم استقرارها ، في هذا السياق، نجد أن التحولات الاجتماعية تشمل تغييرات في الأدوار الأسرية، وتراجع التأثير التقليدي للوالدين، وزيادة استقلالية الأفراد داخل الأسرة ،أحد الأبحاث التي تناولت هذا الموضوع هو دراسة أجرتها جامعة القاهرة، حيث أشارت إلى أن التغيرات في القيم الاجتماعية تؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق والانفصال ، الدراسة أوضحت أن تبني القيم الفردية على حساب القيم الجماعية يساهم في تعزيز النزاعات داخل الأسرة، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تفككها ، الدراسة تناولت أيضاً تأثير القيم الجديدة على الأطفال، حيث بينت أن الأطفال الذين ينشأون في بيئات أسرية غير مستقرة يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية تؤثر على نموهم وتطورهم وإلى جانب الدراسات الأكاديمية، نجد أمثلة واقعية من المجتمع تعكس تأثير التحولات الاجتماعية على تماسك الأسرة ، في بعض المجتمعات العربية، بدأت تظهر مظاهر جديدة مثل زيادة معدلات الزواج المتأخر، والعيش المشترك قبل الزواج، وهي أمور كانت تعتبر غير مقبولة تقليدياً ، هذه التغيرات تؤدي إلى تحديات جديدة تواجه الأسرة، مثل صعوبة التوافق بين الأجيال وتزايد الفجوة الثقافية بين الآباء والأبناء ،وفي ضوء هذه التحولات، نجد أن هناك حاجة ملحة لإعادة التفكير في السياسات الاجتماعية والبرامج التربوية التي تهدف إلى تعزيز تماسك الأسرة واستقرارها ، من الأهمية بمكان تعزيز الحوار بين الأجيال وتشجيع التفاهم المتبادل، وذلك من خلال تعزيز القيم المشتركة التي تساهم في تماسك الأسرة وتماسك المجتمع ككل ،.
دور الأب في شؤون الأسرة
تقليدياً، يعتبر الأب ركيزة أساسية في إدارة شؤون الأسرة واتخاذ القرارات الهامة ، كان يُنظر إلى دوره كمعيل وحامي، يضمن استقرار العائلة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ، لكن مع مرور الوقت، شهدت المجتمعات تحولات كبيرة أثرت على هذا الدور التقليدي وتغيرات القيم الاجتماعية والثقافية أدت إلى إعادة تعريف دور الأب في الأسرة ، في الماضي، كان يُتوقع من الأب أن يكون السلطة العليا، حيث يتخذ القرارات دون منازع ، أما اليوم، فقد أصبحت القرارات العائلية نتاجاً لتشاور مشترك بين جميع أفراد الأسرة، مما يعزز من تماسكها ويزيد من استقرارها ،تغير دور الأب أيضاً نتيجة للتطورات الاقتصادية ، مع دخول المرأة سوق العمل وزيادة مساهمتها في الدخل العائلي، لم يعد الأب هو المعيل الوحيد ، هذا التحول الاقتصادي ساهم في توزيع الأدوار والمسؤوليات بشكل أكثر توازنًا بين الزوجين، مما يؤدي إلى نموذج أسرة أكثر توازنًا وتعاونًا ،كما أن التحولات الثقافية لعبت دوراً مهماً في تغيير دور الأب ، في المجتمعات التقليدية، كان يُتوقع من الأب أن يكون صارماً ويقلل من التعبير عن مشاعره ، ولكن اليوم، يُنظر إلى الأب على أنه يمكن أن يلعب دوراً عاطفياً ورعائيًا أكبر، مما يعزز من العلاقات الأسرية ويزيد من الاستقرار العاطفي للأبناء ويمكن القول أن دور الأب في شؤون الأسرة قد تطور ليصبح أكثر شمولًا وتعاونًا ، هذا التطور لا يعكس فقط تغير القيم والعادات الاجتماعية، بل أيضًا يظهر الأهمية المتزايدة لتماسك الأسرة واستقرارها في مجتمعاتنا الحديثة .
غياب دور الأب: الأسباب والتبعات
شهدت المجتمعات المعاصرة تزايداً ملحوظاً في حالات غياب دور الأب في شؤون الأسرة، مما أثار تساؤلات عميقة حول الأسباب الكامنة وراء هذا الغياب وتبعاته على تماسك الأسرة واستقرارها ، من بين الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تراجع دور الأب هو التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضت ضغوطاً كبيرة على الأفراد، حيث أصبح العديد من الآباء مضطرين للعمل لساعات طويلة أو الانتقال إلى أماكن بعيدة بحثاً عن فرص عمل أفضل ، هذه الظروف أدت إلى تقليص الوقت المتاح للآباء للتفاعل مع أسرهم والمشاركة في تربية الأطفال وبالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، يلعب التغير في القيم والعادات الاجتماعية دوراً مهماً في غياب دور الأب ، مع تنامي النزعة نحو الفردية وتعزيز الاستقلالية الشخصية، أصبح العديد من الآباء يبتعدون تدريجياً عن الأدوار التقليدية التي كانت تُعنى بتوجيه ودعم الأسرة ، هذه التحولات جعلت من الصعب على بعض الآباء تحقيق توازن بين متطلبات العمل والحياة الأسرية، ما أدى إلى تقليل مشاركتهم في الشؤون اليومية للأسرة كما تترتب على غياب دور الأب تبعات خطيرة على تماسك الأسرة واستقرارها ، من الناحية النفسية، يشعر الأطفال بالحرمان من الدعم العاطفي والتوجيه الذي يمكن أن يوفره الأب، مما يؤثر سلباً على تطورهم الشخصي والاجتماعي ، كما أن غياب الأب يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغوط على الأم، حيث تجد نفسها مضطرة لتحمل كل الأعباء المتعلقة بتربية الأطفال وإدارة شؤون الأسرة، مما يزيد من احتمالات التوتر والصراعات داخل الأسرة وفي ضوء هذه التبعات، يصبح من الضروري إعادة النظر في السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على دور الأب في الأسرة، والعمل على تعزيز التوازن بين متطلبات العمل والحياة الأسرية لضمان استقرار الأسرة وتماسكها ،
نظرة مجلس الشورى حول القضية
في الأعوام الأخيرة، أثار غياب دور الأب في شؤون الأسرة تساؤلات مهمة داخل مجلس الشورى ، حيث يرى العديد من الأعضاء أن هذا الغياب يمكن أن يؤثر سلباً على تماسك الأسرة واستقرارها ، وقد تم تسليط الضوء على هذه القضية في عدة جلسات خلال مناقشة التحولات القيمية والعادات الاجتماعية الحديثة وقدم أعضاء المجلس مجموعة من الآراء والمقترحات لمعالجة هذه القضية ، من أبرز هذه المقترحات ضرورة تعزيز دور الأب في الأسرة من خلال سياسات تدعم التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية ، وقد تم التأكيد على أهمية إجازات الأبوة المدفوعة كوسيلة لتعزيز مشاركة الأب في تربية الأبناء ورعاية الأسرة ، هذه الإجراءات قد تساهم بشكل كبير في تحسين تماسك الأسرة وتقوية العلاقات بين أفرادها – بالإضافة إلى ذلك، تم اقتراح سياسات تعليمية وتوعوية تستهدف الآباء، لتوعية الأجيال الجديدة بأهمية دور الأب في الأسرة ويرى أعضاء المجلس أن مثل هذه السياسات يمكن أن تساهم في تغيير الثقافة السائدة وزيادة الوعي حول أهمية مشاركة الأب في الحياة الأسرية ،كما نوقشت استراتيجيات لتعزيز دور المؤسسات الاجتماعية في دعم الأسرة ، حيث يعتقد أعضاء المجلس أن المؤسسات الاجتماعية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تقديم الدعم والإرشاد للعائلات التي تعاني من غياب دور الأب ، تم اقتراح برامج تدريبية واستشارية للأزواج الجدد، تهدف إلى توجيههم نحو بناء علاقات أسرية متينة ومستقرة .
وأكد مجلس الشورى على أهمية التعاون بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة لتحقيق هذه الأهداف ، حيث يتطلب تعزيز تماسك الأسرة واستقرارها جهوداً مشتركة من جميع الأطراف المعنية ، هذه المقترحات والسياسات تعكس مدى اهتمام المجلس بالحفاظ على القيم الأسرية وتعزيز دور الأب في المجتمع .
الحلول المقترحة لتعزيز تماسك الأسرة
في ظل التحولات الاجتماعية الراهنة، يصبح تعزيز تماسك الأسرة واستقرارها ضرورة ملحة ، يمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من الحلول العملية التي يمكن تطبيقها على مستوى الفرد والمجتمع والدولة ، أولاً، على مستوى الفرد، يجب تعزيز القيم الأساسية مثل الاحترام المتبادل، والتواصل الفعّال بين أفراد الأسرة ، هذا يمكن تحقيقه من خلال جلسات حوارية منتظمة تتيح فرصة للتعبير عن المشاعر والأفكار بحرية ، كما يمكن تشجيع الأنشطة الأسرية المشتركة التي تعزز الروابط العاطفية وعلى مستوى المجتمع، تلعب المؤسسات التعليمية والدينية دوراً كبيراً في نشر الوعي حول أهمية الأسرة ، يمكن تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية تستهدف الآباء والأمهات لتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع التحديات الجديدة ، كذلك، يمكن إقامة فعاليات مجتمعية تركز على تعزيز القيم الأسرية وتشجيع التعاون والتضامن بين الأسر المختلفة ، وعلى مستوى الدولة، فتلعب السياسات الحكومية دوراً حيوياً في دعم الأسرة ، يمكن تبني سياسات تشريعية تحمي حقوق الأسرة وتعزز استقرارها، مثل توفير إجازات أبوية مدفوعة الأجر، وتقديم دعم مالي للأسر ذات الدخل المحدود ، كما يمكن تعزيز البرامج الاجتماعية التي توفر الدعم النفسي والاجتماعي للأسر التي تواجه تحديات معينة، مثل العنف الأسري أو التفكك .
كل هذه الجهود تتكامل لتعزيز تماسك الأسرة واستقرارها، مما يسهم في بناء مجتمع قوي ومترابط ، إن تبني هذه الحلول يتطلب تعاوناً مشتركاً بين الأفراد، المجتمع والدولة لضمان تحقيق الأهداف المنشودة ، بذلك يمكن مواجهة التحديات التي تفرضها التحولات الاجتماعية المعاصرة بفعالية وكفاءة .
الثلاثاء25 يونيو2024
ناصرمضحي الحربي